ذو المروءة والأدب هو من يراعي مشاعر الآخرين
من الناس من هو غليظ الطبع، كثيف النفس، صفيق الوجه، لا يحجزه عن المباذل يقين، ولا تلزمه المكارم مروءة، لا يراعي مشاعر الآخرين، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون.
فإذا ما حضر مجلسًا، وابتدر الكلام؛ وضعت يدك على قلبك؛ خشيت أن يزل أو يفرط على أحد من الحاضرين.
فإذا ما وجد مجالًا يشبع فيه طبيعته النزقة الجهول؛ هام على وجهه، لا ينتهي له صياح، ولا تنحبس له شِرَّة.
فتارة يذكر الحاضرين بعيوبهم، وتارة يؤذيهم بلحن منطقه، وتارة يذكِّرهم بأمور يسوؤهم تذكرها.
"أكبَّ رجل من بني مرة على مالك بن أسماء يحدثه في يوم صيف، ويُغِمّه، ويثقل عليه، ثم قال: أتدري من قتلنا منكم في الجاهلية؟.
قال: لا، ولكني أعرف من قتلتم منا في الإسلام.
و قال: من هم؟
قال: أنا، قتلتني اليوم بطول حديثك، وكثرة فضولك".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "ومنهم من مخالطته حمى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يُحْسِن أن يتكلم فيفيدك، ولا يُحْسِن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها.
بل إن تكلَّم فكلامه كالعصى تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به؛ فهو يحدث من فيه كلما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرّحا العظيمة، التي لا يطاق حمله ولا جرها على الأرض.
ويذكر عن الشافعي-رحمه الله- أنَّه قال: ما جلس إليّ ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر.
ولهذا فالرجل النبيل، ذو المروءة والأدب هو من يراعي مشاعر الآخرين، فلا يؤذيهم بكلمة، ولا يجرح مشاعرهم بإشارة أو نحوها، بل يحفظ عليهم كرامتهم وماء وجوههم.
خالق الناس بِخُلْقٍ حَسَنٍ